أكره الرحيل ... وبشدة ... ولكنني لا أكره الوداع لأن لحظاته السريعة ستحيا طوال العمر في جعبة الذكريات ... وسأهرب إليها كثيراً في أوقات الفرح لتدمع عيني وفي أوقات الحزن لأبتسم ... هكذا تعودت أن أحياها
انتقلت من مسكني القديم الذي دامت علاقتي به مايزيد عن عامين منذ أن استقر بي الحال في بلاد الغربة وحياة الدليفري
كل أركان المنزل تحمل في جدرانها ذكريات كثيرة
بين الضحكات العالية ... والجدال العقيم
بين الذكريات السعيدة ... والليالي الحزينة
بين الوحدة ... والأوقات المليئة بالعمل
بين غالب الطعام عديم الفائدة ... والكثير من الاتصالات المغذية
أقف في البلكون ... أذكر بداية دخولي لهذا المنزل قادماً من بلاد " دؤدؤ" الهلال والنجمة إلى بلاد "توحيد الأذان والباركن بفلوس" ... على استحياء يوماً بعد يوم تتم الخطة الغير معدة بإحكام فتجد نفسك في بلاد الغربة تشعر بالاستقرار ... مسجد تعودت على صوت امامه ... شوارع وطرقات تعودت على مرتاديها ... مطاعم وبقالة تسيطر عليك شهرة بلدك في انك "ابن نكتة" فتتحدث بكل اللغات "لما القافية تحكم" لتعلو الضحكات بلغة ال "هيك" ولغة ال " عيوز" (عجوز) ولغة ال "قشطة أوي" وال "مافي معلوم شو يخبّر" .... وتملأك رائحة الذكريات
تهرب إليك جملتك : " أصعب حاجة لما تبقى الذكريات متعلقة على حيطان أماكن انت عايش جواها " فتعجب كيف ستترك هذه الذكريات وترحل؟ رغم ما تحمله من أحزان ... ولكنها تحمل الكثير والكثير من الأفراح ... سُكان ومرآة و"صوت مصعد" يشعر كل من تحدثه على الهاتف أنك في المترو "ومفهمهم انك ف الخليج بتشتغل" ... لازلت في نفس البلدة ... ولكنك تنتقل من مسكن إلى آخر ... ولكنك تشعر بغربة جديدة ... تشعر بتجربة جديدة ... ذاكرة جديدة ... لتقفز إليك عن عمد لفظة "رحلة حياة"
مراحل انتقالية ... وكأنك تركب سفينة تهبط منها في كل يوم على تجربة جديدة وجزيرة جديدة ... تتعرف على شخصيات جديدة وتتعرف عليك الشوارع والجدران التي ستحيا حولها ... بوابة المعارف التي يخرج ويدخل منها البشر دون استئذان في كل يوم وفي كل انتقال من مكان لآخر ليصبح عليك مسئوليات لأشخاص جدد ... سواء بحفظ سر .. أو نصيحة ... أو مشاركة
يطرق أذنك صوت الميكروفون في صالة المطار ... الرحلة رقم 527 والمتجهة إلى أبوظبي الاقلاع في الساعة ال 1.30 .... أول لحظات الغربة ... أول مبيت لك خارج المنزل ... تحاول تفادي هذا الشعور الكلاسيكي للغربة فتقنع نفسك " اعتبر نفسك رايح المصيف " ... (بس المصيف المرة دي حر أوي ورطوبة) ... كانت هذه بداية الطريق ... لتجد نفسك فجأة في بلاد الغربة وتشعر بالاستقرار ... أعتقد أنه شعور قاسي بعض الشيء ... لكن بدأ هذا الشعور بالغربة هذه المرة عند الانتقال من هذا المسكن لمسكن جديد ... رغم أنني أتعامل بنفس الأسلوب هذه المرة وأتعامل بنفس الفكرة ... انتقال من شيء إلى شيء يعني فرصة جديدة لتجربة جديدة لا أدري ماذا تخفي في طياتها ولكن أعلم يقيناً أن هناك خيراً لا أعرفه
أسترجع قليلاً من الذاكرة لأنظر هل أنجزت شيئاً في هذه المرحلة الأولى قبل الانتقال؟ هل أثرت في شخص ما أو تسببت في تغيير ما لأحدهم يجعلني شخص ايجابي في مكاني؟
ثم وبدون سابق انذار طرق باب الأفكار سؤال أشد من وقوع الجبل ... حياتنا في مرحلة انتقالية بين ثلاث حيوات ... فهل في هذه الحياة كنت شخص صاحب نفع على الآخرين؟ أم أنك ستترك هذا المكان وهذه الدنيا بلا عمل ينتفع به الناس من وراءك؟
هناك أناس فراقهم نهاية الحياة عند الآخرين ... وهناك أناس موتهم بداية الحياة للآخرين ... فمن أيهم تكون ؟
هل اختيار الغربة عن الوطن كان اختياراً صحيحاً ؟
الغربة في بلاد تحترم المواطن ولا أحد يعلو فيها على القانون
أم الوطن الذي لا يحترم ذاته كي يحترم شعبه ؟
الوطن الذي شعرت فيه بالغربة ؟
أم الغربة التي شعرت فيها بالاستقرار ؟
أسئلة كثيرة طرقت آذاني وأنا أذكر أن أمس كان الثالث من سبتمبر العام الثالث لي في بلاد الغربة الاستقرارية
12 comments:
رمضان كريم :)
حمد الله على السلامة :)
و فى انتظار حد يجاوب عالبوست
وحشتنى كتاباتك ياخلود
عاوز تقول إنك قفلت أول إقامة يعني
طب ما كنت تقول كده م الأول يا عم بدل الشحتفة و النهنهة و تقطيع القلب ده طه
:)
كنت أتمنى ان تنتقل بنا تلك الخواطر الى تذكر البرزخ
اقصوصه
رمضان كريم عليكم وعلينا
:)
ـ-ـ- أحمد عبد العدل-ـ-ـ
تفتكر حد هيجاوب ع البوست؟
:)
الله يسلمك يا احمد عقبالك
:))
ňįĝŗő
لا والله يانيجرو لسه الاقامة لنص ابريل الجاي
:)
عصفور المدينة
ما هو ده اللي انا قصدت بيه يا بشمهندس ان الانسان بيعيش في 3 حيوات
قصدت بيها الحياة الدنيا وحياة البرزخ والحياة الآخرة
بس شكلها مكانتش واضحة
:)
نورني وجودك من جديد
يارب بدون انقطاع
:)
لو هنتكلم عن الحياه الدنيا
فقرار السفر بتأخده بمحض أرادتك
دون ان تكون مجبراً عليه
اما الحياه الاخره
فليس لك فيها قرار
لن ينفع سوي عملك طوال سنوات التي ذكرتها وتخيلت كل كبيره وصغيره فيها
الذكريات صوت الأمس وصدى اليوم..
الذكريات موطن الألم لايسكنه سوى الأطياف والأشجان والدموع..
عندما نشد الرحال الى ذلك الوطن تتلهب عواطفنا وتتأجج مشاعرنا فنبتسم ثم نبكي تمتزج الدمعة بالبسمة قد تكون دمعة ألم وقد تكون دمعة شوق وقد تكون دمعة حنين
مع الذكريات وفي الذكريات
نضعف ، نحزن ، نضطرب ، نغترب ، نهاجر
نبحث عن شي ما.. نصرخ نهتف نتألم نلامس الأطلال نقلب الصورنقابل الأطياف..
وكل شخص منا بداخله كتاب من الذكريات..أوقات جميلة..لحظات حزينة..
ولكن موقفنا تجاه هذه الذكريات يختلف فالبعض منا ..يتهرب منها ..لايحب أن يقلب صفحاتها فهي تؤلمه..تجده يتخلص منها بأي طريقة..
فمثلاً هناك من لا يحتفظ بشيء يذكره بأمر ما سوى كانت هذه الذكرى سعيدة أم حزينة..
كذلك قد يرحل من مكان ما لأنه إن مكث فيه فسوف تفيق هذه الذكريات وتبقي متواجدة معه دوماً..
والبعض منا يعيش على هذه الذكريات ينثرها بين الفينة والأخرى ..ويسنشق عبيرها ويستمد قوته منها
هي تؤلمه.. ولكن مع ذلك تجده يستمتع بذلك الألم فهو لايستطيع البقاء بدونها فهذه الذكريات هي كل ماتبقى له..
أن الذكريات رغم مرارتها تعلمنا الكثير
أو تذكرنا بالكثيرين ممن كانوا بحياتنا
بفرحها وحزنها فهي جزء من حياتنا السابقة والحالية والحاضرة
**********
و"صوت مصعد" يشعر كل من تحدثه على الهاتف أنك في المترو "ومفهمهم انك ف الخليج بتشتغل"
لو هيوحشك صوت الاسانسير ممكن تبقي تسجله وتشغل المسجل وانت بتتكلم في التليفون
:)
*******************
أتم الله سنين غربتك علي خير
ويسر الله امرك كله للخير
مـحـمـد مـفـيـد
لو هنتكلم عن التقاطيع
اسمحلي بقى انا تقاطيعي مسمسمة
:))
مشرفني يابو العبدين والله
أوجزت فأنجزت فأفدت يا عمنا
حتى التعليقات ف الصميم
:)
Anonymous
اسلوب حضرتِك غطى على التدوينة نفسها يا فندم
كلام حقيقي جداً
وبالنسبة للاسانسير .. هاخده معايا وانا نازل مصر
:)
Post a Comment